• تدريس الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية..

     

    تدريس الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية..

    تدريس الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية.. السياق والإكراهات

    ali sealiti

    إن إدماج اللغة الأمازيغية في قطاع التعليم بصفة خاصة، وإعادة الاعتبار لها في جميع المجالات بصفة عامة، يمكن القول بأنه في حد ذاته غاية سامية لحماية التعدد اللغوي والثقافي الذي يشكل إرثا للإنسانية جمعاء، كما تندرج عملة الإدماج هاته في صميم القانون الدولي المعتمد على الكثير من الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان.

    إن مشروع تعليم وتعلم اللغة الأمازيغية المدرسة المغربية فضلا عن كونه يشكل استجابة لحق من حقوق المواطن (ة) المغربي (ة) فإنه يتناسب تماما مع توصيات منظمة اليونسكو لاسيما إذا استحضرنا أن الدورة 12 للمؤتمر العام لهذه الأخيرة سبق أن أوصت الدول الأعضاء باعتماد التربية باللغة الأم، وبضرورة إدخال اللغة الأم في النظام التربوي منذ السنوات الأولى للتمدرس فاللغة الأم تضمن الاستمرارية والتواصل بين المحيطين الأسري والمدرسي كما تشمل استراتيجيات التعلم وتلعب وظيفة الوسيط بين المرجع الثقافي الأسري والمرجع الثقافي المروج من قبل المؤسسة المدرسية.

    فما هي الإكراهات التي واجهتها المدرسة المغربية في تدريس اللغة الأمازيغية؟

    وما هي العراقيل والصعوبات التي يواجهها الأطر التربوية والكامنة وراء عدم تدريس اللغة الأمازيغية؟

    لم تم حصر تدريس اللغة الأمازيغية فقط في المستوى الأول والثاني؟

    التهيئة السياسية والقانونية

    مرت اللغة الأمازيغية قبل الإقدام على إدماجها في المنظومة التربوية بسلسلة من المحطات، لابد من الوقوف عندها لكي تتضح لنا معركة الإقناع والاقتناع بضرورة إنصاف هذه اللغة كأبرز مكون من مكوناتنا الثقافية المغربية، ولعل هذه المحطات هي نفس المحطات التي نجدها في تاريخ تهيئة أي لغة وإعدادها لكي تكون لغة مستعملة، وعلى العموم فقد مرت لغتنا الأمازيغية بمرحلتين أساسيتين:

    مرحلة الاعتراف بها واتخاذ القرار الرسمي بشأنها

    السلطة السياسية في أي بلد تستجيب دائما لمطلب يقع بصدده إلحاح جاد من طرف المجتمع، وهذا ما حدث للمطالب التي مرت بظروف عصيبة أثناء طرحها على أنظار الساسة المغاربة منذ أن تأسست أول جمعية أمازيغية سنة 1967 وهي (الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي) إلى صدور الكتاب الأبيض حول المناهج التعليمية وأهم ما ميز هذه الفترة:

    - صدور ميثاق أكادير حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين وتوقيعه من طرف عدد من الجمعيات وإرساله إلى الدوائر الحكومية والحزبية.

    - إعلان الحسن الثاني في خطاب 20 غشت 1994 عن ضرورة تدريس اللغة الأمازيغية للطفل المغربي...

    - تأثر هذه المطالب الحقوقية اللغوية بالمد الحقوقي الذي أسف عليه كثير من الدول في منتصف التسعينيات واشتداد الحوار حول كيفية إنصاف الأمازيغية لغة وثقافة.

    - بلوغ الحوار ذروته بصدور بيان محمد شفيق الذي سمي "بالبيان الأمازيغي" والذي وقعه أكثر من مائتي من المثقفين المغاربة، وثم إيداعه لدى الحكومة المغربية.

    وفي نفس الفترة كانت نخبة من رجال السياسة والمجتمع المدني يعملون على إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي صدر سنة 1999 وهو يحمل بوادر الاستجابة الأولى للمطلب اللغوي الثقافي الأمازيغية في بنده 115 و135، وقد تلاه الكتاب الأبيض حول المناهج التعليمية الذي قرر إحداث حصة لتعلم اللغة الأمازيغية في التعليميين الأولي والابتدائي.

    مرحلة الأجرأة والتنفيذ وإصدار التنظيمية

    في هذه المرحلة سوف تشهد اللغة والثقافة الأمازيغية طفرات نوعية من خلال:

    1- إحداث مؤسسة وصية تهتم بإعداد وتهيئة اللغة الأمازيغية

    دعي المجتمعان السياسي والمدني المغربي إلى قمة "أجدير" بالأطلس المتوسط للاستماع إلى خطاب ملكي يبشر بإحداث مؤسسة "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، وبعد هذا الخطاب تمت تلاوة الظهير الشريف القاضي بتأسيس هذا المعهد، هذا الظهير الذي يعتبر أول نص قانوني يتم عبره الاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغيتين وأحقيتها في النماء والصيانة...

    إن المعهد سوف يضطلع بمهمة إدماج الأمازيغية في الحياة العامة وعلى الخصوص في المسارات التربوية، وسوف يسارع فور تعيين طاقمه الإداري والعلمي إلى عقد اتفاقية شراكة، مع وزارة التربية الوطنية الهدف منها وضع خطاطة زمنية وعملية لتمكين اللغة والثقافة الأمازيغيتين أن تحتلا مكانتهما في المدارس المغربية ومما يميز هذه الاتفاقية أنها تجاوزت الطرح المحتشم الذي جاء في البند 115 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين حول مفهوم الاستئناس، بحيث أنها تضع اللغة الأمازيغية في مصاف اللغات الأخرى، وتفسح لها المجال لكي تدرس في جميع المدارس الابتدائية والإعدادية والتأهيلية.

    2- إصدار نصوص تنظيمية

    من اجل تنفيذ هذه الاتفاقية أصدرت وزارة التربية الوطنية عدد من المذكرات التنظيمية ابتداء من مستهل الموسم الدراسي 2003/2004 وأهم هذه المذكرات هي:

    - المذكرة الوزارية رقم 108: التي جاءت في شتنبر 2003 بإدماج اللغة الأمازيغية في القسم الأول من التعليم الابتدائي...

    - المذكرة الوزارية رقم 82: التي صدرت في يونيو 2004 وسعت إلى تنظيم دورات تكوينية في بيداغوجية وديداكتيك اللغة الأمازيغية يستفيد منها الأساتذة العاملون بالأقسام...

    - المذكرة الوزارية رقم 90: التي صدرت في شتنبر 2006 لكي تستجيب للعمل على إقصاء مختلف العوائق البيداغوجية والبشرية التي تحول دون تنفيذ اتفاقية الشراكة على الوجه المطلوب، حيث أنها نصت على الدفع بالتكوينات إلى الأمام والحث على إضافة اللغة الأمازيغية إلى منهاج التكوين الأساسي لأساتذة التعليم الابتدائي، وتضمنت مختلف صيغ جداول الحصص التي تمكن مكون اللغة الأمازيغية من احتلال مكانة بين المكونات الأخرى...

    ورغم كل الجهود الرامية إلى وضع سياسة قارة تجاه اللغة والثقافة الأمازيغيتين، لازالت هناك نقائص أخرى لابد من تجاوزها وأهمها:

    o التنصيص في الدستور على الأمازيغية كلغة رسمية بجانب اللغة العربية...

    o وضع قوانين واضحة على شكل مراسيم وقرارات نافذة وعدم الاكتفاء بالمذكرات التنظيمية فقط...

    o تشجيع الثقافة الأمازيغية من طرف الدولة بتنصيص جوائز الإبداعات والإصدارات والأنشطة الأمازيغية والفنية...

    o تفعيل اتفاقية الشراكة وجدولتها وتحيين التوجيهات الرسمية والعمل على تجاوز كافة العراقيل التي تحول دون إدماج حقيقي بالمدرسة المغربية.

    الإشكالية الكبرى في معيرة اللغة الأمازيغية

    إن أي لغة يراد إدماجها في الحياة الإدارية والتربوية للدولة يجب أن يتم تهيئتها لكي تكون مؤهلة للرسوخ في وضعيتها، لذلك فإن الحركة الثقافية الأمازيغية بعد أن تمكنت من اقناع مراكز اتخاذ القرار في الدولة المغربية بضرورة إنصاف اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ما فتئت تعطي لهذه المسألة أهمية كبرى، وقد كان السؤال العريض الذي طرح سنة 1991 هو كيف سيتم إدماج اللغة الأمازيغية على بساط الدرس والتمحيص منذ إصدار ميثاق الأمازيغية في المرافق الحيوية للمواطن المغربي؟ وما هي الخطوات العملية الكفيلة بإنجاح هذا الاندماج؟

    فكان لابد من الاسترشاد ببعض التجارب التي عاشتها قوميات مختلفة على الصعيد العالمي حينما وصلت إلى هذه اللحظة الحاسمة، لأن المسألة لا تستسيغ أي نوع من الارتجال، ولأن أي خطوة غير مستقيمة في هذا الصدد سوف تؤدي إلى الطريق المسدود. لقد سارعت نخبة من المتخصصين منذ سنة 1992 إلى عقد أيام دراسية للحسم في الإشكاليات الكبرى التي سوف تأتي بعد الاعتراف الرسمي بالحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغيتين. كما أن المتخصصين في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وجلهم من الذين شاركوا في تلك الأيام الدراسية وضعوا نصب أعينهم منذ إنشاء هذه المؤسسة، الغوص في هذه المسألة الجوهرية، فسارعوا إلى تمحيص كل الإشكاليات التي سوف تعرقل مسيرة الإدماج ووضع الحلول العلمية الكفيلة بإنجاحه وسيتبادر إلى أذهاننا لقاء المعمورة (معهد مولاي رشيد بالمعمورة) لسنة 1992 حول المعيرة والتقعيد الذي دعت إليه الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي إذ استقطبت للمشاركة في مناقشة المعضلات الكبرى جملة من المتخصصين اللسانيين والأساتذة الباحثين والأدباء للحسم فيما يمكن فعله، لو أن الدولة المغربية حملت مسؤولية معيرة وتقعيد اللغة الأمازيغية للمجتمع المدني الأمازيغي، وقد طرحت أمام المجتمعين أربع إشكاليات: هي إشكالية الكتابة الأمازيغية وإشكالية الأصوات الأمازيغية وإشكالية المعجم الأمازيغي.

    معضلة الكتابة:

    1- اختيار حرف تيفيناغ

    كان من بين أهم من حضروا هذا اللقاء، الأستاذ الباحث محمد شفيق الذي سارع فور بدء أشغال اليوم الدراسي الذي طرح تصوره الشامل حول إشكالية الكتابة، هذا التصور الذي يهيب فيه بالمتخصصين إلى أن يضعوا أمامهم أربع اعتبارات قبل الحسم في أية كتابة سوف تدرس بها اللغة الأمازيغية:

    أ- الاعتبار الأول: هو الاعتبار المستقبلي الذي نجيب فيه على سؤال: ما هي الكتابة التي سوف تستطيع مواكبة عهد الحاسوب والتكنولوجيا الحديثة؟ أفلا يمكن القول بأن الكتابة اللاثينية هي الأقرب إلى المنطق لأنها لا تحتاج إلى كثير من التنميط أثناء اختيار الأبجدية؟ ولأنها المستعملة اليوم في الأنظمة الإلكترونية على الصعيد العالمي...؟

    ب- الاعتبار الثاني: هو الاعتبار التاريخي الذي نجيب فيه على سؤال: ما هي أهم الأبجديات التي كتبت بها الأمازيغية عبر التاريخ؟ وفي هذا الصدد سنجد أن اللغة الأمازيغية كتبت قديما بأبجدية تيفيناغ، ثم كتبت بعد الحروف اللاثينية، وبعد مجيء الإسلام بدأ الأمازيغيون يكتبون بالأبجدية النبطية، فأي من هذه الأبجديات قد صمدت من الناحية التاريخية؟ إذا حينما بقيت أبجدية تيفيناغ صامدة لدى الطوارق، نجد البعض من الأمازيغيين فضلوا الكتابة بالأبجدية اللاتينية.

    ج- الاعتبار الثالث: الاعتبار الوجداني الذي نجيب فيه على سؤال: أية أبجدية ترتاح لها النفسية الأمازيغية وتلبي نداء الهوية؟ أليست هي ابجدية تيفيناغ؟ ولكن ألا يوجد من بين الأمازيغيين من ينتصر وجدانيا للأبجديتين الأخرتين لاعتبارات دينية وإيديولوجية؟

    د- الاعتبار الرابع: الاعتبار الجمالي الذي نجيب فيه على سؤال: ما هي الكتابة التي ترتاح لها الأذواق وتمتاز بالجمالية لدى الكاتب والقارئ؟

    ن- الاعتبار الخامس: الاعتبار العلمي البيداغوجي الذي نجيب فيه على سؤال، ما هي الكتابة التي سوف يسهل بها تعلم اللغة الأمازيغية لدى الطفل المغربي؟ وما هي المشاكل التي سوف تخلفها كل أبجدية أثناء التدريس سواء بالنسبة للمدرس أو المتعلم؟ وعلى ضوء هذا التصور وعلى أثر نقاش طويل حول أي من الاعتبارات السابقة، يتضح بقوة، اتفق الحاضرون على دعم أبجدية تيفيناغ لكي تتطور وتواكب الأبجديات الأخرى، كما تنميط الأبجديتين العربية واللاتينية وترك الحرية للمواطن المغربي لكي يكتب بأية أبجدية يشاء إلى أن يتم الحسم وبطرق علمية في هذه المعضلة...

    وفيما يخص الحرف النبطي (العربي) تمت مناقشة بعض الرموز التي لها أصوات خاصة لدى الأمازيغيين ولا توجد عند العرب كأصوات مستقلة، كالحروف المفخمة والحروف المضمومة ضما مختلسا، وقد تم طرح عدة تجارب منها تجربة "Artin" النشرة الأولى التي أصدرتها الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي كما قدم بعض الأساتذة من بينهم الأستاذ: جبور عبد الكريم تصورهم حول تنميط بعض من تلك الرموز، كما تمت مناقشة الإشكاليات التي يطرحها الحرف النبطي ومنها إشكالية تحمله أو عدم تحمله لعدة علامات... أما فيما يخص اللاتيني فإن المجتمعين اتفقوا على اعتماد الحرف العالمي الذي تم تنميطه من لدن متخصصين دوليين من اجل قراءة وكتابة مختلف اللغات العالمية.

    2- تنميط حرف تيفيناغ:

    أولا: الخط والتنميط الشكلي:

    إن وضع خط معياري للغة الأمازيغية يقتضي الإستجابة لهدف مزدوج:

    أ- تثبيت علاقة وطيدة بين مختلف بدائل الكتابة القديمة (libico-bèrbères) و".........." وبين الكتابة المنتشرة لدى المثقفين الأمازيغيين المحدثين...

    ب- التوفيق بين الأبجدية الجديدة وبين القواعد الإملائية الموجودة التي تتطلب أحيانا إحداث بعض التغييرات الضرورية...

    إن منطقة امتداد النقوش الخاصة بالأبجدية القديمة تتصادف مع مناطق انتشار اللغة الأمازيغية، والبعض منها عثر عليها مزدوجة، أما أمازيغية – بونية أو أمازيغية – لاتينية، ولكن أغلبها جاءت أمازيغية قحة، ومنذ سنة 1960 تم إبداع عدة تنويعات جديدة لأبجدية تيفيناغ انطلاقا من تلك المنقوشات القديمة أو من تيفيناغ الطوارقية الحالية، وكان الهدف من هذه الإبداعات هو منح اللغة الأمازيغية نظاما أبجديا مقعدا وقابلا للاستعمال لدى الناطقين الحاليين بهذه اللغة.

    ورغم الكتابة الأمازيغية القديمة لها تنويعات ثلاثة، شرقية وغربية وجنوبية صحراوية، فإن هذه الأخيرة وحدها وبشكلها المتوارث هي التي بقيت مستمرة في الوجود إذ لازالت مستعملة لدى الطوارق الذي سموها "تيفيناغ". أما الأخريان فإنهما وبسبب عوامل تاريخية قد اضمحلت في الاستعمال الكتابي وبقيت آثارهما ماثلة بين فنون التزيين كما في الزرابي والوشم وزخارف الحلي...

    أما "تيفيناغ" الحديثة وخصوصا منها البديل المنمى من طرف الأكاديمية البربرية بالجزائر في نهاية الستينات والتي انتشرت في المغرب وفي القبائل بالجزائر فهو يضم متغيرات أتت تنمي أو تصحح النقائص التي زايلت الأبجديات المقتبسة من الصيغ القديمة في عقود ما بعد الستينات...

    وانطلاقا من ذلك الإرث القديم أو حتى الحديث والمخضرم لأبجدية "تيفيناغ" واحتراما للهدفين السابقين، استحدث مركز التهيئة اللغوية في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أبجدية حديثة على أمل توحيد الخط ومعيارته، تأسيسا على تحليل علمي للمعطيات اللسنية للأمازيغية المغربية وباقي البدائل التي عرفتها المناطق التي انتشرت فيها الأمازيغية، إن الاستجابة لذلك الهدفين يتطلب اعتماد عدة مبادئ منها:

    - التاريخية: إن جل الرموز القديمة ثم الاحتفاظ بها كما هي

    - الملاءمة بين الرموز: ثم استحداث بعض الحروف انطلاقا من قريباتها الصوتية فتم التمييز بين كل شبيهين بعارضة

    - الاقتصاد: تم الاحتفاظ بالرمز الواحد للصوت الواحد واستبعاد بعض الأصوات المرتبطة بفروع لهجية محلية.

    - البساطة: تم وضع هذه الحروف وفق أشكال هندسية خالية من التعقيد يستطيع الطفل تمثلها بكل سهولة وذلك حسب أشكال خطية أو دائرية أو انكسارية أو مقوسة أو زوايا قائمة

    وهكذا، فإن الخصائص المشتركة بين البدائل والتي استعملت بحدة من أجل ترجمة أو نقل الأصوات الأمازيغية قد اعتمدت بدون تردد، وعلى عكس ذلك فإن غيرها من التي لا تستجيب للمبادئ والمعايير المعتمدة قد تم التصرف بها وتغييرها، أما ابتكار الرموز الجديدة فقد تم تحاشيه إلا للضرورة القصوى.

    وبعد تحديد رموز تيفيناغ تم اعتماد عدة معايير لابد من احترامها من لدن الأساتذة وتعتبر بمثابة شريعة في الخط والكتابة الأمازيغية وهي:

    حروف الكلمة الأمازيغية مستقلة بعضها عن البعض: وهذا على عكس اللغة العربية التي تتصل فيها غالبية الأحرف، واللغات اللاتينية التي أخذ واضعوها بالاتصال والانفصال.

    معضلة الأصوات الإملائية

    هناك عدد من المسائل الإملائية استوقفت مركز التهيئة اللغوية في البداية أملا في كتابة خطية متناغمة لا تشكل عائقا أمام المتعلمين، وسوف نعترض لها بالتفاصيل فيما بعد ومنها:

    علاقة المنطوق بالمكتوب: فقد تحرى واضعو الإملاء الأمازيغي عدم الوقوع في نفس المتاهات التي وقع فيها واضعو إملاء بعض اللغات، حينما يضطر المتعلم إلى كتابة اشياء لا علاقة لها بما ننطق به، وهذا ما نجده بقوة في اللغة الفرنسية واللغة العربية:

    ففي اللغة الفرنسية، ولاسباب مورفولوجية:

    نجد بعض الأحرف تكتب ولكن لا ينطق بها مثلا:

    Petit – grand – bas – fils – champ

    كما نجد أحرفا أخرى لا ينطق بها كما هي في الأبجدية:

    Femme – photo – Lisez

    ويرجع السبب في ذلك إلى مدى تقدير الفرق اللسنية التي قعدت لهذه اللغة تاريخيا لكل من سبقها واحترامها لما تركه الأسلاف...

    وفي اللغة العربية: نجد اختفاء النطق باللام الشمسية وانتقال تاء التأنيث المربوطة إلى هاء، بالإضافة إلى حالات الإعلال والإبدال...

    بنية أجزاء الخطاب: وقع النقاش حول تراتبية الكلمات المؤلفة لتركيب معين (تراتبية الفاعل والمفعول مثلا) وهل الكلمة المؤلفة من حرف واحد تكتب مستقلة، وقد اختار المقعدون السير على هدى اللغات اللاتينية في هذا الصدد حيث أنه لا مسوغ للوقوف فيما وقعت فيه اللغة العربية مثلا حيث لا يجوز فيها استغلال حرف واحد بذاته أثناء الكتابة (ضربته).

    ج- تحديد قواعد البياض الطوبوغرافي: وقع النقاش كذلك حول متى يسوغ لنا أن نترك بياضا بين الكلمات ومتى لا يجوز (الفصل والوصل) وكذلك حول مدى استقلال أحرف الكلمة الواحدة...

    معضلة المعجم

    من بين معضلات المعيرة كذلك ما طرحه المعجم الأمازيغي من إشكاليات أهمها:

    كيف سنتعامل مع النصوص المعجمية التي توفرت لدينا وكيف يمكن تنقيحها؟ هناك تراكم لا باس به لكن يجب الاحتراز من بعض الخصوصيات التي زايلت كل محاولة، وباستثناء معجم شفيق الجامع فإن المعاجم الأخرى يغلب عليها الطابع الجهوي("جودون" في الجنوب، و"غونيزيون" في الوسط و"ميرسي" في الشمال)، كما أن المعاجم المتوفرة لدينا باستثناء معجم حداشي، مزدوجة اللغة (عربية، أمازيغية وفرنسية أمازيغية) ومما يلاحظ كذلك أن هذه المعاجم كتبت بأبجديات وقواعد إملائية مختلفة، فهناك من يعتمد جذر الكلمة وهناك من اعتمد الجذع، لذلك فإن الحاجة إلى معجم موحد أصبح الآن نصب أعين الباحثين...

    كيف سنتعامل مع اختلاف معاني ودلالات نفس الكلمة، أو مع أشكال الترادف المتنافرة بين الفروع اللغوية الأمازيغية؟ لقد توصل الباحثون إلى استنتاج أن كل كلمة في أية منطقة لها تاريخ ولابد من احترام هذا التاريخ ريثما يتم تقعيد المعجم الأمازيغي...

    ج- ماذا سنفعل الآن أمام الفراغ المعجمي ونحن بصدد إدماج لغتنا في النظام التعليمي؟ وما هي الطرق الناجعة لجمع معجم متماسك يلبي رغبات القراء والباحثين...؟ كان مركز التهيئة اللغوية قد وضع خطة من أجل الإبداع المعجمي وإثراء ما توفر الآن من المعاجم تتلخص في:

    اعتماد البنيات اللغوية المشتركة بين اللهجات وعطاؤها الأولوية في وضع المعاجم والكتب المدرسية والملفات البيداغوجية والديداكتيكية...

    اعتماد إحدى اللهجات الوطنية كمرجعية حينما ينعدم اللفظ في اللهجات الأخرى.

    اعتماد الإبداع المعجمي القائم على الاشتقاق أو المجازات.

    توظيف الرصيد المعجمي المتداول في اللسان الدارج المغربي.

    الانفتاح على اللهجات الأمازيغية الأخرى المتداولة خارج الوطن.

    اللجوء إلى المعجم التقابلي الخاص باللغتين العربية والفرنسية ولو مرحليا هو الطريقة المنهجية المثلى لاكتساب وتمثل مختلف الدلالات قبل أن تنتقل اللغة الأمازيغية طفرة التأليف والإبداع في الحقل المعجمي مستقبلا...

    وبعد ذلك وضع منهجية جديدة من أجل الخروج بمصطلحات جديدة بالإضافة إلى قاعدة الإبداع المعجمي القائم على الاشتقاق أو المجازات.

    قاعدة التأصيل الثقافي: وتعني أخذ كلمة قديمة وإحياؤها مع إعطائها أبعادا ومعاني جديدة مثال: اللفظة التي دلت على المدرسة

    قاعدة ترجمة المفهوم: أي اعتماد مفهوم في لغة ما وترجمته إلى مقابله

    تنميط الجانب الفونيمي:

    من بين أهم الجوانب التي أثارت الجدل بين الذين سعوا لتقعيد ومعيرة اللغة الأمازيغية مسألة الأصوات السائدة في المناطق الأمازيغية، هذه الأصوات التي قد تبدو في بعض الأحيان متنافرة، مما جعل اختصاصي المعهد الملكي ومختلف الفعاليات في الحركة الأمازيغية يبدون الجدية اللازمة في اتفاق على تحديد ما يجب أن يكون معتمدا وما ليس كذلك من هذه الأصوات، ذلك أن من بين عوامل الاختلاف بين اللهجات الأمازيغية عامل اختلاف الأصوات والفونيمات فرب كلمة واحدة ينطق فيها رمز بعدة أشكال مما يوحي لدى السامع لأول مرة بأن الأمر يتعلق باختلاف جوهري، وقد أولى مركز التهيئة اللغوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أهمية بالغة لهذا الجانب من المعيرة فخرج الباحثون اللسنيون بنتائج مهمة وذلك اعتمادا على معايير علمية دقيقة.

    الإكراهات والصعوبات التي يواجهها المدرس خلال حصص الأمازيغية:

    انطلاقا من هذه الوضعية العادية التي يمكن وصفها "بالمتردية" سنسجل مجموعة من الصعوبات والعراقيل التي كشفت عنها نتائج بحث ميداني قمنا به:

    أ‌- عدم ملائمة المقررات الدراسية وعمر التلميذ فهي مقررات لا تراعي الجانب السيكو-ذهني للتلميذ، فآلية اكتساب المعارف هي آلية جد معقدة وصعبة بالنظر إلى المستوى العمري لفئة التلاميذ.

    ب‌- تدريس حروف تيفيناغ هي عملية يمكن وصفها بالصعبة.

    ت‌- صعوبة فهم المعجم الموظف في النصوص.

    ث‌- أكثر من 50% من التلاميذ غير ناطقين بها.

    ج‌- انعدام المناهج التربوية.

    ح‌- غياب الحافز نظرا لعدم اعتبار الأمازيغية ضمن المواد والمعاملات المحددة لرسوب أو إنجاح التلميذ خلال الامتحانات والتقويمات الإشهادية.

    خ‌- عدم توفر التلاميذ على كراسات (باستثناء المستوى الأول والثاني).

    د‌- عدم النطق السليم للكلمات.

    ومن خلال المقابلة التي أجريت مع المتعلمين في البحث الميدان نفسه اتضح لنا جليا رغبتهم في تعلم اللغة الأمازيغية ومواكبتها في جميع المستويات.

    رغم ان اصطدامهم الأول بحروف تيفيناغ وتمثلاتهم بكونها لغة صعبة التعلم ويستلزمها وقت كبير للفهم والمسايرة. ولديهم خوفا ونوعا من النفور لاستقبال هذا الحرف الجديد إلا أن هذا الغموض والخوف تلاشى تدريجيا مع الحصص الأولى، وتحول إلى رغبة جامعة في الانفتاح على ثقافة مجتمعهم ومقارنة لهجاتهم المحلية مع اللغة المعيارية، وما زاد من سرعة تعلمهم توظيف الحكايات الشعبية المستقاة من التراث الأمازيغي التي خولت لهم اكتساب مصطلحات جديدة وكثيرة خاصة بالنسبة للتلاميذ غير الناطقين بها أصلا، مما سهل عليهم سرعة الاندماج مع ثقافة لمحيط المتواجدين فيه، خاصة إذا علمنا أن اللغة هي واسطة التعبير والاتصال الأساس لدى البشر.

    لقد سعينا من خلال هذا المقال المطول إلى دراسة واقع تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية، واخترنا نموذج مدرسة القلعة بإقليم طاطا، وحاولنا استعراض العوائق الفعلية التي تحول دون تدريس اللغة الأمازيغية.

    ومن أجل محاولة إزالة بعض هذه العوائق التي تقف حجرة عثرة أمام استفادة التلاميذ من تعلمها قمنا بصياغة بعض الحلول والمقترحات ومنها:

    - تمكين الأطر التربوية من الاستفادة من تكوين أساس كاف في منهجية تدريس اللغة الأمازيغية، (تكثيف هذه الدورات).

    - تزويد الأساتذة بكتيبات تتضمن الرصيد اللغوي للسنة الأولى مثلا.

    - تزويدهم بموجز النحو واللغة الواصفة.

    - تزويد المدرسة بمعاجم (أمازيغي - فرنسي) أو (أمازيغي - عربي).

    - اعتماد الأستاذ المتخصص في تدريس اللغة الأمازيغية.

    - تمديد الحصص المخصصة لتدريس الأمازيغية.

    - يجب أن تكون هناك استمرارية ومتابعة حتى نهاية المسار الدراسي للتلميذ.

    - إنشاء مدارس عليا للأساتذة اللغة الأمازيغية على غرار باقي المواد.

     

     


  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :